تلك المخططات التي تتشكل ملامحها فجأة دون سابق إعداد دائما ما تحمل في ثناياها قصصا وحكايات تلون الحياة بألوان الحب وتخلق ممرات إلى الخيال بعيدا عن واقع مربك.
لقاءات تزرع الفرح في الروح فتزهر معها الابتسامات، وجه آخر من وجوه الزيارة الثانية إلى جدة هذه المدينة التي تحمل في تفاصيلها سرا وغموضا لا تحكيهما الكلمات ولا الصور، مشهدي الشروق والغروب على كرنيش البحر الأحمر وابتسامات العابرين وتحاياهم.
في جدة، أمطرت السماء حبا وفنا على إيقاع ابتسامة "يسر"، امرأة تأسرك بابتسامتها وبقدرتها على المحاججة والإقناع وبطاقة الحب التي تحملها داخلها وتنثرها من حولها لتصلح ما يفسده الواقع وبعشقها لتونس الذي يرتسم في ابتسامتها المحملة بالمعاني وهي تحكي عنها لمن حُرم زيارتها.
هي المرة الأولى التي التقي فيها "يسر"، لم أشعر أنها غريبة عني، يا لسحر حضورها الذي تصبح الثواني سنوات على إيقاعه وتتهاوى على أعتابه كل القرارات السابقة ليكون اليوم الأخير في جدة فرصة لعناق أرواح تراقص الحياة.
إنه الوصل الذي لا ينقطع مع "رجاء" التي سكن حبها قلبي منذ أول لقاء بها، وهو يمتد إلى شقيقتها التي تشبه شخصيات الحوريات في قصص الأطفال، بملامحها الهادئة وصوتها الناعم وتعبيراتها الرقيقة التي رممت بعض الكسور داخلي.
ست عشر ساعة أمضيتها مع "يسر" أغدقت فيها من مشاعرها ووقتها وحكاياتها التي تشرع أبواب الأمل والحلم، حكايات عن الحياة وعن الحب وعن الأمل وعن التغيير وعن الفن، إذ رافقتها إلى أكاديمية موسيقى تحمل اسم " odagio" وهي كلمة إيطالية تحيل إلى المقطوعات الموسيقية وإلى زمنها كما تحيل أيضا إلى الراحة.
منذ دخول الأكاديمية انتابني شعور بالراحة وتخففت من عبء الواقع وخلقت بخيالي بين تفاصيل الآلات الموسيقية والديكور الذي ينم عن ذوق مختلف يغازل الأرواح قبل الأعين.
الأكاديمية للموسيقي والمغني اللبناني إيلي مطر، وفيها يقدم دروسا في الغناء والعزف لتأمين من فئات عمرية مختلفة ويتمرن على الأغنيات التي يؤديها في بعض الفضاءات في مدينة جدة ليخلق لنفسه عالما يشبه صوته النابع من أعماقه.
"إيلي مطر" رجل بملامح هادئة، يحمل في صوته حكايات الأزمنة الجميلة يغني بالفرنسية والإنجليزية والإيطالية والإسبانية ويجيد مغازلة المستمعين لحكايته، هو لا يغني فقط هو يحكي قصصا على طريقته بحركاته وسكانته، بإحساسه المرهف وروحه التي عاشت في أزمنة مختلفة.
على إيقاع صوته الذي يصدح في أحد الفضاءات بجدة تتمايل الأرواح وترتسم قصص الحب والمقاومة وتتجلى الحياة في وجوه مختلفة كاختلاف التفاصيل في مدينة جدة التي مازالت تؤوي ثنايا كثيرة تسوي باكتشافها.