يبدو أنه قدر على تونس أن تنطلق في عشرية ثانية نزعت عنها صفة السواد لتقترن بالشطحات، شطحات رئيس الجمهورية قيس سعيد الذي ما انفك يخاطبنا بالألغاز ويستفز فضولنا لمعرفة أولئك الذين حصرهم في ضمير الغائب للجمع.
حالة من الضبابية والغموض تغذيها خطابات الرئيس التي تظهر مارقة عن كل منطق وغير خاضعة للقواعد والتحليل والتفسير، نفس النواة بقشور مختلفة تتلون بألوان التخوين والتآمر على أمن الدولة.
محاسبة حقيقية يطلع الشعب على تفاصيلها، محاسبة دون عنتريات أو استعراض العضلات البوليسية، محاسبة دون مزايدات او بطولات من ورق، مطلب حق لا يجب أن يراد به باطل.
قليل من المعلومات الرسمية، قليل من الوضوح، قليل من الشفافية، قليل من الحقيقة، لا نطلب إلا القليل لنتمكن من ملء الفراغات في وقت صمتت فيه كل الجهات المعنية بالإيقافات الأخيرة وتكلم رئيس الجمهورية.
وبين خطابات الرئيس المألوفة تتصاعد أصوات بعض المحامين لتتحدث عن تهم غير التهم التي يتحدث عنها وعن خروقات إجرائية وغيرها من الإخلالات التي شابت الإيقافات.
حالة طوارئ ممتدة في الزمان والمكان، وتهم التآمر على أمن الدولة الداخلي وتدبير الاعتداء المقصود به تغيير هيئة الدولة لا يمكن أن تكون بأي شكل من الأشكال سببا لانتهاك حقوق الإنسان.
فحقوق الإنسان ليست ترفا، والمحاسبة لا تعني نسف المحاكمة العادلة، والخوف من المؤامرات والدسائس لا يمكن أن يكون مدخلا لقمع الحريات التي لم تتحقق إلا بدماء الشهداء ذات ثورة.
وفيما سكت القضاء عن الكلام وتحدث رئيس الجمهورية بإطناب عن التآمر على الدولة والتلاعب بالأسعار في اجتماع مع وزيرة التجارة وتنمية الصادرات وفي جولة في سوق باب الفلة وفي زيارة لوزارة الداخلية.
لماذا يتحدث رئيس الجمهورية عن قضايا مازالت مفتوحة على أكثر من احتمال لوزيرة التجارة والبائعين في سوق باب الفلة فيما غابت المعلومة من الجهات القضائية؟
لهذا السؤال إجابة كما كل الأسئلة التي تتعلق بممارسات رئيس الجمهورية، كل الأجوبة موجودة في طيات خطاباته ومراسيمه وأوامره، وفي ما يخص هذه الحالة الإجابة تعود إلى يوم الإعلان عن الإجراءات الاستثنائية ذات 25 جويلية.
فعقب ترؤسه اجتماعا طارئا للقيادات العسكرية و الأمنية قرر رئيس الجمهورية تولي رئاسة النيابة العمومية ويبدو أن الإجراءات الاستثنائية أبدية، نعلم جميعا بدايتها ولكن لا نهاية لها.
وأما من يتساءل عن الزيارة الليلية، أمس، لمقر وزارة الداخلية وسط غياب وزير الداخلية توفيق شرف الدين، فالإجابة تعود إلى شهر أفريل من سنة 2021، ثلاثة أشهر قبل الإجراءات الاستثنائية.
فخلال الاحتفال بعيد قوات الأمن الداخلي أكد رئيس الجمهورية قيس سعيد أنه القائد الأعلى للقوات العسكرية والمدنية،
وبلهجة حادة، قال -أمام جمع غفير من أسلاك الأمن الداخلي وبحضور كل من رئيس الحكومة ورئيس البرلمان- إنه "القائد الأعلى للقوات المسلحة العسكرية وللقوات المسلحة المدنية (الأمنية) ولكل أسلاكها".
وأما بقية القصة فنعرفها جميعا…..