للخروج من نفق اليوم لابد من التذكير بأحد أهم الأسباب التي أدت إليه ألا وهو تقديم جماعة الإسلام السياسي مصلحة حزبهم على مصلحة الوطن. وكنت صرخت بذلك أكثر من مرة دون أن يلتفت إلى كلامي أحد..
لقد كان المقود بين يدي النهضة إبّان كتابة دستور ما بعد 14 جانفي. وكانت كل عمليات سبر الآراء – وما تزال – تبيّن أن زعيم هذه الجماعة هو اكثر سياسي مكروه في البلاد مما يعني استحالة وصول أي نهضوي إلى رئاسة الجمهورية إذ يقتضي ذلك الحصول على 51 في المائة من الأصوات على الأقل. لذلك كان الإصرار على التقليص أكثر ما يمكن من سلطات الرئيس وإقرار نظام حكم هجين ما فتئ يتدحرج بالبلاد نحو الهاوية من يوم إلى آخر قبل أن نقع فيها ذات 25 جويلية 2021 من قبل نفس المؤسسة التي سعى النهضويون إلى تقليم أكثر ما يمكن من أظافرها..
النهضة كانت على يقين من شيئين:
وجود خزّان انتخابي يضمن لها دائما 20 في المائة على الأقل من مقاعد البرلمان.. وإصابة منافسيها بداء عضال اسمه التشتت في ما بينهم يضمن لها أن تكون دائما من الأوائل في أي انتخابات.
كان واضحا جليا من البداية أن نظام الحكم الذي فرضته النهضة يتعارض وطبيعة المجتمع التونسي. ومع ذلك قبلت به مختلف الأطراف.
وكان واضحا جليا أن هيمنة النهضة على الحياة السياسية لا يمكن أن تؤدي إلا إلى الخراب إذ لم يتولّ الإسلاميون الحكم في بلد إلا وأصابه الخراب، ومع ذلك تواصل التسليم بالأمر المفروض.
لقد برهنت النهضة في شخص رئيسها على أنها لا تتردد أمام أي شيء في سبيل مصلحتها حتى وإن كان ذلك على حساب الصالح العام. فبعد أن كانت تعتبر النداء أخطر من التجمع المنحلّ مكّنت الباجي قايد السبسي -رحمه الله- من الترشح للرئاسة بتعطيل مقترح عدم تجاوز المترشح للرئاسة 75 سنة، وذلك مقابل تشريكها في الحكم في صورة فوز النداء، مع ضمان عدم مساءلتها على جرائم سنوات حكمها (وخاصة اغتيال بلعيد والبراهمي ونقض وأحداث الرش)..
وبعد أن كانت تتغزل بالنداء وزعيمه انحازت إلى الشاهد في معركته مع المرحوم بعد أن تأكدت من تفتت النداء و"وضْع الشاهد في جيبها" وذلك بتعلة البحث عن الاستقرار الحكومي.. لكن نفس ذلك الاستقرار الحكومي الذي كانت تزعم الحرص عليه لم تعد له أية أهمية مع الفخفاخ حين بدأت الحرب على الفساد تصل إلى حيتان كبيرة يبدو أن لها مصالح مع جماعة النهضة، وذلك بتعلة الحرص على نظافة يد رئيس الحكومة وهي التي تريد فرض حزب رئيسه متهم بأكثر من جريمة، لا فقط مشتبه به مثلما هي الحال بالنسبة إلى الفخفاخ (وقد تمت تبرئته لاحقا قضائيا)، فرْض حزب كان الغنوشي منذ أشهر قليلة يعتبر رئيسه فاسدا يستحيل التحالف معه !!!
إن التذكير بمثل هذه الحقائق الدامغة ضروري وحتمي اليوم والكل يبحث عن سُبُل لإنقاذ الدولة من الاندثار حتى لا نكرر نفس الأخطاء لنقع بالضرورة في نفس المطبات..