"مرة في حينا زارنا فيل ظريف برفق قال لنا ليس هنالك ما يخيف.. نحن الخير بطبعنا لا نرضى ظلم الضعيف لا يحيا بيننا الا الإنسان الشريف"، كلمات شارة كرتون "بابار" التي تبوأت مكانها في ذاكرة جيل كانت "سبايستون" جزءا من يومه.
هذه الشارة تحمل في طياتها معاني كثيرة رسخت في الوجدان لبساطة طرحها ولقدرتها على مغازلة عاطفة الأطفال داخلنا، لحنها مغر وساحر وذو قدرة على تغيير مزاجك ما إن يتسلل إلى أذنك.
ولعل ذلك من الأسباب التي جعلت من استعادة اللحن في أغنية هزلية نقدية تخوض في التعامل الأمني في قضايا استهلاك المخدرات فرصة للنظر في مرآة الذات والمقاومة بين كلمات الأغنية الموشحة بذكريات الطفولة وبين واقعنا اليوم.
فحينما زارنا بابار الفيل في حينا لم يخبرنا أنه كلما كبرنا صار الوضع مخيفا أكثر، وهو لم يخبر الطلبة الثلاثة الذين تغنوا بلحن الأغنية على إيقاع كلمات "مرة في حينا زارنا الحاكم في الليل" أن أغنية هزلية ستحملهم إلى السجن.
وعندما صافحت أعيننا بابار آمنا بأننا الخير بطبعننا وأننا لا نرضى ظلم الضعيف ولا يحيا بيننا إلا الإنسان الشريف، ولكن لم يخطر ببالنا حينها أن الظلم صار القاعدة وأن الشرفاء صاروا الاستثناء.
الفيل الذكي النبيل ارتبط بعالم الأطفال الجميل ولكنه لم يهمس لنا أن الجحيم ينتظرنا خارج عوالم الطفولة، لم يخبرنا أن أغنية هزلية قد تعرف بمستقبل ثلاثة طلبة، يواجه اثنان منهم أحكاما بالسجن قد تتجاوز السنة، كما يمكن أن يحرما من إنجاز اختباراتهم الجامعية بعد أن تم إيقافهما.
"بِالْأَخْلَاق الْفَضِيلَة.. بِالْمَحَبَّة.. بِالْأَمَل.. نسمو ننتصر عَلَى الْمَصاعِبِ بِالْعَمَل" تتسرب إليك كلمات شارة الكرتون تباعا وتفغر فاك على واقع ننزل فيه إلى الدرك الأسفل في كل مرة يحاول فيها البعض التفكير خارج الصندوق..
في الأثناء تتهافت الأسئلة عن الجريمة التي ارتكبها الطلبة الثلاثة حينما نزلوا فيديو الأغنية، وعن الدوافع العميقة التي دفعت السلطات الأمنية إلى تتبع الطلبة وإيقافهما.
"الإساءة للغير عبر شبكات التواصل"، و"نسبة أمور غير صحيحة لموظف عمومي" هي التهم التي تواجه الطلبة الثلاثة لأنهم قرروا في لحظة صفاء وهزل أن ينتقدوا قانون استهلاك المخدرات وتعامل أعوان الأمن مع الشباب.
المفارقة أن التعامل الأمني لا يخلو مما ذكرته كلمات الأغنية بل إنه أحيانا أشد فظاعة، هناك أشياء كثيرة لم يخبرنا بها بابار الفيل على غرار أن أعوان الأمن ليسوا دائما حضنا للأمان ففيهم هواة الرشوة ومنتهكو حقوق الإنسان ومريدو العنف وعشاق استعراض العضلات.
ومن يغوص في كلمات الأغنية سينغمس في ذكريات الماضي ويسافر مع اللحن ولكنه أيضا لن يصطدم بأي ثلب أو تحريض، ولكن يبدو أن ذكرياتنا الجميلة لن تسلم من الأذى لنراها تتهاوى أمامنا من ارتفاع شاهق..
حتى بابار الفيل لم يسلم من الأذى وزين الدمع خده في حركة مساندة للطلبة الثلاثة ولجيل تشير كل المعطيات إلى أنه جيل ملعون يضربونه في مقتل… في أحلامه وآماله.