خطابي موجّه إلى الفرحين بفوز المنتخب التونسي لكرة القدم على نظيره الفرنسي، رغم انسحابه من الدور الأول. أما سبب حزني فمردّه حقيقتان:
الأولى أننا مرة أخرى اخترعنا كذبة ثم صدّقنا أنها حقيقة. كنا نعرف أن المنتخب الفرنسي واجهنا منقوصا من أكثر من نصف أبرز لاعبيه، ولم يكن يسعى إلى الفوز، بل ولم يكن يخشى حتى الهزيمة بحكم ترشّحه إلى الدّور الموالي من المونديال بفضل انتصاره في مقابلتيه الأُولييْن، ومع ذلك طبّلنا وزكّرنا بفوزنا عليه بهدف يتيم.
والحقيقة الثانية أن بعض ما حدث في هذا المونديال إلى حدّ الآن ذكّرني بلقطة من المسرحية السورية "على نخبك يا وطن" حين سَكَرَ "غوّار" فتخيّل اتّصالا هاتفيا مع أبيه الشهيد.
فبعد أن أجاب عن أسئلة أبيه بسلسلة من الأكاذيب التي تزيّن واقعا مريرا علّق أبوه قائلا:
– معناه ماوْ ناقصكم شِي؟
فردّ غوار – ولأول مرة- قائلا حقيقة:
– الله وكِيلِك يا أبي ماوْ ناقصنا إلا شويّه كـــرامـــة بس"!
تذكّرت ذلك حين صرخ معلّق إحدى إذاعاتنا صرخة أفزعتني لحظة انتهاء مقابلة منتخبنا مع الدانمارك. ولأني لم أكن أتابع المقابلة بانتباه ظننت أن منتخبنا سجّل في آخر لحظة قبل أن أكتشف أن تلك الفرحة كانت لمجرد تعادل في طعم الهزيمة نظرا إلى أن المنتخب الدانماركي لم يكن يومها المنتخب القوي الذي نعرفه وكان بالإمكان الانتصار عليه..
وتذكّرت ذلك حين تناهى إلى سمعي خبر إعلان السعودية اليوم الموالي ليوم انتصارها على الأرجنتين يوم عطلة احتفالا بذلك "الإنجاز التاريخي"..
ولأن الذكريات ذات شجون تذكّرت أيضا كم نحن فعلا "لا ينقصنا إلا شويه كرامة بس". تذكّرت كيف أننا نرفع شعارات النصر حين يُفرج العدو الصهيوني عن مئات من العرب الأسرى لديه مقابل الإفراج عن جندي واحد من جنوده.. وأحيانا عن مجرد جثة لأحد أبنائه. فأنا لا أفهم ذلك إلا على أن العدو يريد أن يقول لنا إن الواحد من مواطنيه يساوي ألفا من رعايانا. وأننا قابلون بذلك..
أختم بالعودة إلى المنتخب الفرنسي لأقول إنه ارتكب خطيئتين يوم الأربعاء 30 نوفمبر:
– الأولى عدم احترام الميثاق الرياضي الذي يؤكد على وجوب ألا يتخاذل الفريق، أي فريق، احتراما لحقوق كل الفرق الأخرى. وهو قد تخاذل حين لم يخض مقابلته الأخيرة بما يلزم من جدية كان كل من الدانكارك وأستراليا في حاجة إليها..
– والخطيئة الثانية أنه حرمني وأمثالي من لذة انتصار فريقنا عليه بكامل عناصره الأساسية – وقد كنا قادرين على ذلك-إذ كنت رافضا لأي انتصار على فريق لم يواجهنا -أكرّر- بما كان يلزم من جدّية. وأعتبر مطالبته في آخر المباراة بـ"الفار" طمعا في التعادل مجرد تمثيلية "بايخة" للإيهام بأنه لعب بكل جدية ضد المنتخب التونسي..
24