بعد أيام من "مهزلة" الانتخابات التشريعية تتخذ كلمات أغنية "شبيكي نسيتيني" للفنان ياسر جرادي معاني أخرى على أعتاب زلزال ضرب مسار 25 جويلية وشعر الجميع باهتزازاته إلا عراب المسار ومواليه.
هي المرة الأولى منذ انتخابات 2011 التي تكون فيها نسبة الإقبال هزيلة بهذا الشكل الذي يوحي بعزوف الناس عن الحياة السياسية لخطب ما، لا يتعلق قطعا بتلبية الدعوة إلى مقاطعة الانتخابات.
نسب غير نهائية للمشاركة في الانتخابات قدرتها الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بـ 8.8% فيما قدرتها شبكة مراقبون بـ11.1%، وكلتا النسبتين مرتان على اعتبار أنهما تعكسان موقفا شعبيا من الانتخابات.
جولة خاطفة في المحيط الضيق أو الموقع ونظرة عابرة على التدوينات والتعليقات في مواقع التواصل الاجتماعي كفيلة بأن تبين حجم الهوة بين أغلبية المواطنين والمسار الانتخابي.
فالشعب الذي ألف طوابير الانتظار أمام محلات المواد الغذائية والمغازات العامة للظفر بالسكر والحليب وغيرهما من المواد التي لا يظهر أحدها حتى يختفي آخر، ما عادت تستهويه الطوابير أمام مراكز الاقتراع.
المواطنون اليوم لا هم ولا شاغل لهم سوى تأمين قوتهم وسط فوضى التزود بالمواد الأساسية، والأمر اليوم لم يعد رهين مدى قدرة الفرد على اقتنائها من عدمه بل هو مرتبط بتوفرها في الأسواق من عدمها.
حماسة الانتخابات، والنقاشات حول المترشحين، والتناقضات في الاختيارات داخل العائلة الواحدة، كل ذلك الألق الذي كان يحيط بالانتخابات اختفى، حتى الحملات الانتخابية صارت باهتة والاخلالات والخروقات صارت بلا معنى في مسار انتخابي يحتضر منذ بدئه دون أي رغبة في قتله قتلا رحيما.
كل تلك الأصوات التي تتعالى بالحديث عن الانتخابات وعن تفاصيلها منذ فتح باب الترشحات إلى غاية الإعلان عن النتائج النهائية ما عادت مسموعة اليوم، وكأن هذه الانتخابات لا تعني إلا رئيس الجمهورية وفئة قليلة ممن يزينون له الأمور ويباركون خطواته غير المدروسة أو ممن يستفيدون بطريقة أو بأخرى من هذه الفوضى.
"بعد الاربعطاش صوتي بحاح" كلمات ياسر جرادي التي تفسر حالة الكثيرين ممن آمنوا بالتغيير ولم تستوعبهم أية طريق من الطرق التي ارتسمت بعد 14 جانفي ومازالوا يبحثون عن طريق وفية لكل تلك الشعارات التي دوت ذات ثورة.
لا قيس سعيد ومساره، ولا المعارضة وسبيلها قادران على استيعاب غضب هذا الشعب الذي ترجمه عزوفه الحاد عن الانتخابات، عزوف لن تقدر أي جهة على نسبه لها ولا على استيعابه ولا وقف تعاظمه….