يا لمفارقات هذه الحياة، سعيدة أنا لأن آلام ظهري بدأت تنقص مع التقدم في حصص العلاج الطبيعي، استمعتُ إلى إعادة أغنية زينة التي وجدتها على صفحة صديقتي لبنى نعمان وحينما هممت بمغادرة الصفحة اعترضتني ابتسامة ريم الحمروني، صورتها وكلمات كتبت فوقها لم أفهم معناها، لا رغبة لي ولا إرادة في فهم معناها..
أشحت بنظري عن الصورة وعن الكلمات وواصلتُ النزول وأنا أمني نفسي بأن تكون مزحة ثقيلة سنسامح صاحبها لو نفى خبر الرحيل، لكن الموت لا تمزح ولا تمهلنا القليل من الوقت لنودع أحبتنا..
ما أقسى نبأ موتك يا ريم.. كم هو موجع نعيك على وقع ابتسامتك التي تخترق القلب دون إيذان.. كم هو صعب الحديث معك وعنك دون جواب منك..
بدأت اليوم فرحة بتقلص آلام ظهري وناصفته بضربة موجعة من الموت قصمته ولا أمل في جبره بحصص العلاج الطبيعي، حضورك وحده يمحو آثار الموت فينا..
"نحبك" آخر الكلمات بيننا في محادثة منذ أشهر، لم نتحدث بعدها لكننا تبادلنا التعليقات، كلمة تختزل ما نشعر به تجاه بعضنا وكنت أرى دموعك وانت تبكينني حينما أفكر في يوم رحيلي.
ريم.. غزالتنا المبتسمة المرحة على الدوام من القلة القليلة الصادقة المتصالحة مع ذاتها والعفوية.. إني أشم ريحك وأسمع أنفاسك وانت تحضنيني ذات لقاء.. صدى كلماتك ذات حوار يتردد في أذني..
ليست المرة الأولى التي تفعلها معي الموت، لا أعلم لماذا تحرمني من وداع من أحب، لماذا تختار الأقرب إلى قلوبنا، لماذا تمعن في إيلامنا، لماذا لا تكل من قصم ظهورنا..
ريم.. مازلت أذكر كم بكينا سوية نحن وصباح بوزويتة في سجن النساء بمنوبة.. مازلت أذكر مواقف كثيرة.. ذاكرتي تؤلمني وقلبي يؤلمني أكثر..
ريم صديقتي لو كانت النصوص تستوعب العبرات لنثرتها هنا، تخونني العبارات لأكتب عنك وسألجأ لمقدمة الحوار الذي أجريته معك لأنها تحمل بعضا من تفاصيلك..
ريم.. ممتلئة بالفن عقلا وروحا وجسدا، في أفكارها وهواجسها وحركاتها يتجلّى عشقها للتمثيل الذي اصطفته من بين كل المهن، من التمثيل تنهل الحياة وإليه تبث حيوات مختلفة وهي تجول بين المسرح والسينما والدراما.
إنها الممثلة ريم الحمروني التي تتماهى اللوعة بالضحك في تفاصيل سمرتها المحمّلة بالحكايات، وتتلبس الكوميديا بالدراما في ثنايا أدائها، وتنهمر الضحكات كما العبرات على إيقاع تحركها على الخشبة أو امام الكاميرا.
على الركح كانت البداية، هناك عشقت أبا الفنون ووهبته الكثير من روحه ووهبها الكثير من عمقه، وهناك التقت المسرحي الراحل عز الدين قنون الذي ترك لها زادا من النصائح والدروس.
"رهائن" و"نوار الملح" والشقف"، تجارب مسرحية خطت فيها اسمها بحروف من عطاء وصدق امتدّا إلى السينما إذ عشقت الكاميرا وجهها وتعبيراتها الملهمة والنابعة من الإيمان بأثر العمل الفني في النفوس فتقلّبت بين الشخصيات بكل ما أوتيت من فن، ومن بين الشخصيات الراسخة تلك التي أدتها في فيلم "فترية" لوليد الطايع.
بارعة هي في الانتقال من الحالة الكوميدية إلى الحالة الدرامية، من دور "سعيدة" في السلسلة الكوميدية "الحجامة" إلى دور الأم المكلومة في مسلسل "الحرقة" تبرهن أنها قادرة على التماهي مع أي شخصية وهي التي تخوض تجربة في المسلسل اللّيبي " زنقة الريح" بدور "فجرة"، دور لم يحد عن نهجها الذي تمضي فيها دائما.
إلى اللقاء يا غزالتنا الحية فينا غصبا عن الموت..